الاثنين، 23 مايو 2016

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي: مفهوم التربية البيئية




مفهوم التربية البيئية
(محاضرة)





د.عبدالمجيد حميد الكبيسي

 يمكن القول بأن العصر الحديث يواجه  بوضوح مجموعة من المشكلات البيئية الكبرى تمثلت بصورة رئيسية فى المشكلة السكانية ببعديها الديموغرافي والتنموي ، واستنزاف الموارد بأنواعها المختلفة، فضلا عن مشكلات تلوث المياة والهواء والتربة،علاوة على التلوث البصري والأشعاعي و الضوضائي..
وعلى أثر ذلك تزايد إحساس الإنسان المعاصر بأهمية وجود نوع من الثقافة البيئية  والذي وصل  ذروته فى مؤتمر البيئة الإنسانية باستكهولم عام 1972، إذ كان بمثابة بروز اتجاه جديد فى الفكر التربوى  تنمية أخلاق بيئية جديدة تنظم علاقة الأنسان ببيئته الكلية ( الطبيعية والثقافية ) وتعالج مشكلات سوء استخدام العلم  والتكنولوجيا وسائر الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية . ثم تلا مؤتمر استكهولم مؤتمرات وندوات عديدة كندوة بلغراد عام 1975 ومؤتمر تبليسي عام 1977 ، وقد أصطلح على ذلك المجال التربوى المهتم بعملية التنمية للأخلاق الإيكولوجية ، وما تتضمنه من أشكال المعرفة والوعى والسلوك والاتجاهات البيئية ، اسم التربية البيئية  (Environmental Education) .

فالتربية البيئية نوع من أنواع التوجيه للتربية، وهو مفهوم تربوي حديث نسبياً بوصفه نتيجة لتفاعل مفهومي التربية والبيئة ووليدهما ، وشهد مؤخرا تطوراً مفاهيميا فأصبح يتضمن النواحي الاقتصادية والاجتماعية بعد أن كان مقتصرا على الجوانب البيولوجية والفيزيائية . وتعد التربية البيئية وسيلة لا غنى عنها للوصول إلى تنمية بيئية متوازنة، باعتبار التربية البيئية تمثل إستجابة القطاع التربوي للقضايا البيئية المعقدة " لقاء التربية مع البيئة "  :

1. مفهوم التربية:
لعل أحدث التعاريف المتداولة في معظم الكتابات عن التربية يقول بأن : التربية هي عملية التكيف أو التفاعل بين الفرد وبيئته التي يعيش فيها، وعملية التكيف أو التفاعل هذه تعني تكيف مع البيئة الاجتماعية ومظاهرها، وهي عملية طويلة الأمد ولا نهاية لها إلا بانتهاء الحياة.
وهذا يعني ان التعريف الحضاري الشامل للتربية يتضمن بأنها العملية الواعية (المقصودة وغير المقصودة) لإحداث نمو وتغير وتكيف مستمر للفرد من جميع جوانبه الجسمية والعقلية والوجدانية والاقتصادية والثقافية والعلمية، على أساس من خبرات الماضي وخصائص الحاضر واحتمالات المستقبل ، فتعمل على تشكيل الأجيال الجديدة في مجتمع إنساني معين في زمان معين، ومكان معين، وتنمية كل مكونات شخصياتهم المنفردة ، وذلك من خلال ما يكتسبونه من معارف واتجاهات ومها رات تجعل كل فرد مواطناً يحمل ثقافة مجتمعه، متكيف معها.

2. مفهوم البيئة:
يمكننا القول إن تعريف البيئة بمداها الشمولي (مهما كانت النظرة إلى البيئة ومجالاتها) يتضمن بأن : البيئة هي مجموعة النظم الطبيعية و الاجتماعية التي تعيش فيها الكائنات و تمارس فيها نشاطها و تستخدم فيها مقومات حياتها .فالبيئة مفهوم ذو طبيعة عامة يضم العديد من العوامل الطبيعية و الحيوية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية  .
وإذا كانت البيئة هي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء وماوى ..، ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر، فإن أول ما يجب على الإنسان الإلتزام به(حفاظاً على هذه الحياة) ،أن يفهم البيئة فهماً صحيحاً بكل عناصرها ومقوماتها ومجالاتها وتفاعلاتها المتبادلة، ثم يقوم بعمل جماعي جاد لحمايتها وتحسينها، و أن يسعى للحصول على رزقه وممارسة علاقاته دون إتلاف أو إفساد.

3. مفهوم التربية البيئية:
 بناء على ماتقدم تعد؛ التربية البيئية  عملية (مقصودة وغير مقصودة) يتم من خلالها توعية الأفراد والمجتمع ببيئتهم وتفاعل عناصرها البيولوجية والفيزيائية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن تزويدهم بالمعارف والقيم والكفايات والخبرة، بل وبالإرادة التي تيسر لهم سبل العمل  فرادى وجماعات لحل مشكلات البيئة في الحاضر والمستقبل .

فاﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻫﻲ ﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﻔﺭﺩ ﻟﻴﺴﻠﻙ ﺴﻠﻭكا ﺭﺸﻴﺩﴽ ﻨﺤﻭ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻌﻴﺵ ﻓﻴﻬﺎ (ﺒﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺸﺎﻤﻝ ﺍﻟﻭﺍﺴﻊ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ ) ﻭﻴﺘﻌﺎﻤﻝ ﻤﻌﻬﺎ ﺒﺭﻓﻕ وﻴﺴﺘﺜﻤﺭ ﺇﻤﻜﺎﻨﺎﺘﻪ، ﻟﻜﻲ ﻴﺴﺘﻤﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻁﺎء.
وﺍﻹﻨﺴﺎﻥ بوصفه  ﺠﺯﺀ ﻻ ﻴﺘﺠﺯﺃ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ، ﻴﺅﺜﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻴﺘﺄﺜﺭ ﺒﻬﺎ، ﻴﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺏء ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ.ولهذا  ﺘﻌﻤﻝ ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺇكساﺏ ﺍﻟﻔﺭﺩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻡ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ﻭﺘﺭﺴﻴﺦ ﺍﻟﻭﻋﻲ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺸﺭﻋﻴﺔ ﻭﺍﻷﺨﻼﻗﻴﺔ، ﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ، ﻭﻟﻬﺎ ﺘﺄﺜﻴﺭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺘﻭﺠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻠﻭﻙ، ﻭﺒﻨﺎﺀ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ﺒﺸﻜﻝ ﺃكثر ﻋﻤﻘﴼ ﺇﺫﺍ ﻁﺒﻘﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺭﺍﺤﻝ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﺘﻌﻤﻝ ﻋﻠﻰ ﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ،ﻭﺍﺘﺨﺎﺫ ﺍﻟﻘﺭﺍﺭﺍﺕ، ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﺭكة ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻟﻠﻔﺌﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺭكيز ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﻋﻲ ﺍﻟﺒﻴﺌﻲ، ﻭﺘﻬﺩﻑ ﺇﻟﻰ ﺘﻌﺩﻴﻝ ﺴﻠﻭﻙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﻥ ﻤﻤﻥ ﺘﺘﺄﺜﺭ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺒﻘﺭﺍﺭﺍﺘﻬﻡ ...
ومع أن التربية البيئية ليست حديثة العهد، بيد أنه منذ عهد قريب بدأ الإهتمام بدمج البيئة صراحة في عملية التربية والتعليم، ولكن بإعطاء الأولويات والعناية بالمشكلات التي تتعلق بحماية الموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية، او ما يتصل بهما من موضوعات.
 
وتسعى التربية الى إعداد الأفراد ليكونوا متوافقين مع بيئتهم، ويتمثل ذلك في تعليم الفرد كي يكون قادراً على فهم نظم البيئة الطبيعية المعقدة التي هو جزء منها، وإستخدامها بمسؤولية وتعزيز.
الهدف الأساسي للتربية البيئية هو السعى الحثيث الى إعداد الفرد الإنساني للعيش الآمن في كوكب الأرض، ومن هنا تتضح العلاقة الوثيقة بين التربية والبيئة، والتي أفرزت مجالاً تربوياً له أصوله ومبرراته وفلسفته وأهدافه ومحتواه ومستلزمات تعليمه وتقويمه، ألا وهو التربية البيئية.
فليس التربية البيئية مجرد معلومات تدرس عن مشكلات البيئة؛ كالتلوث وتدهور الوسط الحيوي أو استنزاف الموارد، ولكنها اتسعت في مفهومها حتي أصبحت أسلوبا تربويا وتعليميا يتمثل في تحقيق مجموعة من الاهداف العامة.
وفي هذا السياق، إذا كانت  التربية البيئية عملية إعداد وتوجيه للفرد نحو التفاعل السليم مع البيئة ، فإن الدارس العلمي للإسلام يرى أن القرآن الكريم وجه سلوك المسلمين وأعدهم للحفاظ على البيئة والاهتمام بها، أعدهم للتفاعل الإيجابي مع البيئة ، ووجه سلوكهم نحو دراستها والحفاظ عليها ، وكذلك فعلت السنة النبوية المطهرة ، و لم يُفسد السلف الصالح في الأرض في يوم من الأيام ، وكذلك فعل المسلمون من بعدهم، إلى أن تخلف المسلمون فبدأت المشاكل البيئية تظهر في حياتهم وتتناسب تناسباً طردياً مع بعدهم عن الهدى العلمي الإسلامي للتربية البيئية والحفاظ على نعم الله الأرضية .  وهكذا تعد دراسة التربية البيئية من أولويات العمل التربوي الإسلامي المعاصر حيث ارتبطت التنمية المستدامة (بمفهومها الواسع) بالبيئة المؤطرة تربوياً.

مصادر للإستزادة :
1.   الحمد رشيد ، و صباريني، محمد سعيد ،  ،1984، البيئة ومشكلاتها،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،سلسلة كتب ثقافية شهرية العدد22، الكويت .
2.       الحفار، سعيد محمد،2002، التربية البيئية، هيئة الموسوعة العربية،دمشق، سورية.
3.       اﻟﺸﺭﺍﺡ، ﻴﻌﻘﻭﺏ ﺃﺤﻤﺩ،1986، ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ط1،ﻤﺅﺴﺴﺔ ﺍﻟﻜﻭﻴﺕ ﻟﻠﺘﻘﺩﻡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ،الكويت. 
4.   علي،هالة مجيد،2012، المهام التربوية لمعلمي العلوم في نشر الوعي البيئي على وفق متطلبات التنمية المستدامة، جامعة ديالى. كلية التربية الأساسية ، ديالى، العراق.
5.   الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر ،2011، التربية السكانية : المفاهيم - الاهداف – المحتوى-منحى النظم- المنهجية- التقويم ، ط1،ط2 ،مكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ، الاردن.
6.   الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2014، النظم والمنظومية رؤى تربوية، دار الإعصار العلمي ومكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ، الاردن.
7.ﺍﻟﻠﻘﺎﻨﻲ، ﺃﺤﻤﺩ ﺤﺴﻴﻥ، ﻭﻤﺤﻤﺩ، ﻓﺎﺭﻋﺔ ﺤﺴﻥ، 1999 ،ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺤﺎﻀﺭ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻝ،ﻋﺎﻟﻡ ﺍﻟﻜﺘﺏ، ﺍﻟﻘﺎﻫﺭﺓ، مصر.











الحمد لله رب العالمين


د. عبد المجيد حميد الكبيسي



ليست هناك تعليقات: