الخميس، 17 نوفمبر 2016

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي : نظرة عامة الى القضايا البيئية




د.عبدالمجيد حميد الكبيسي
مقدمة الى ندوة التلوث البيئي المقامة على قاعة التدريب التربوي
 في المديرية العامة لتربية الأنبار بتأريخ 20/6/2013

تعاملت البشرية منذ اول وجودها على احترام الطبيعة والتعامل معها بكل رفق وانسجام وتبادل منفعة، الى درجة ان الانسان ( بحكم ضعف إدراكه) كان يعبد الطبيعة، إذ كانت الاديان الاولى ( الوضعية ) تقدسها، وتمارس طقوس عبادة الشمس والنار والماء وغيرها، وقد عمل الانسان على محاولة تفسير وتنظيم علاقته الروحية مع الطبيعة المسؤولة من وجهة نظره عن حياته وموته، وذلك من اجل الاستفادة من خيراتها وتجنب غضبها , ونتيجة لذلك نشأت اولى الحضارات التي استمدت قوتها من عوامل الطبيعة كتوفر مصادر المياه والتربة الصالحة للزراعة والمصادر الطبيعية للغذاء ( النباتية والحيوانية ) والصيد والاستفادة من المصدر، وكيفية تجنب الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والحرائق من خلال نشوء المجتمعات الاولى وتنظيم الزراعة وانشاء السدود. ومع تطور الزمن والحضارة تدرجت العبادات بالانفصال عن الطبيعة المجردة لتصل الى الارتباط بالسماء والفكر المطلق. 
واستمرت هذه العلاقة الوطيدة بين الانسان ومحيطه وتطورت الى الاستفادة من العلاقة المتبادلة مع الاحياء الاخرى ، وذلك من خلال استغلال المفيد وتجنب الضار حتى وصل الانسان الى عصر الثورة الصناعية (التي اعتمدت على موارد الطبيعة وتوظيفها لخدمة الانسان) وما صاحبها من انتاج هائل للمكائن والمعدات وتصنيع المواد الكيميائية المختلفة وانتاج المبيدات لمكافحة الافات والسيطرة على الامراض.
وبعد فترة ليست بالطويلة ظهرت النتائج السلبية كظهور حالات مرضية يصعب السيطرة عليها مهددة لصحة الانسان، او مؤثرة على موارده الطبيعية ومصادر غذائه ، و كان هذا بسبب انبعاث الغازات الصناعية وتدفق الفضلات السائلة وطرح الفضلات الصلبة الى مختلف الاوساط البيئية ( الهواء , الماء , التربة )، الامر الذي دعى الانسان الى ان يقف وقفة المراجعة والمتأمل في ذلك ، مما حدا به الى وضع شروط صارمة ومحددات بيئية للتقليل من تاثيرات التلوث والمحافظة على تنوع الاحياء ومحاولة العودة للطبيعة .
ففى عصر ما قبل التاريخ كان مفهوم النظام البيئى يعتبر الارض هى البيئة التى يعيش فيها الانسان وغيره من الكائنات الحية النباتية والحيوانية ويؤثر فيها ويتأثر بها. وفى أواخر القرن الـ 19 وأوائل  الـ20 حدث تطور فى النواحى الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية نتيجة تقدم الزراعة والصناعة ووسائل النقل والمواصلات ،وبذلك أصبح الانسان سيدا مهماً في البيئة  إذ غدا مفهوم النظام البيئي يشمل مجموعة العناصر التي تتكون منها البيئة وتؤثر في بعضها البعض , وهو نظام بيئي مفتوح تدخله العناصر في صورة محددة وتخرج منه في صور أخرى .
لذلك تعتبر  مثلاً مشكلة إنتاج الفضلات ورميها – التخلص منها- سواء أكانت غازية أم سائلة أم صلبة أو على شكل ضوضاء من المشاكل التي تتداخل عندها المعارف البيئية . وستبقى مستويات السيطرة على التلوث والأدوات الإدارية المعتمدة لهذا الغرض غير مجدية ما لم يكن العلم وسيلتها.
فالتلوث يعد من المشاكل الكبيرة التي يواجهها الإنسان المعاصر. لا بل وأخطرها . وهي بحاجة إلى تظافر الجهود كافة لمعالجتها والحد منها . ومما يزيد المشكلة تعقيداً إن للإنسان نفسه الدور الواضح في زيادة خطورتها من خلال نشاطاته المختلفة التي أصبحت تهدد الحياة البشرية . فضلاً عن تأثيرها في الكائنات الحية الأخرى مما يحدث تغيرا في التوازن الطبيعي للبيئة ومكوناتها المختلفة الحية منها وغير الحية.   
وللتلوث مصادر ومكونات عديدة منتشرة في البيئة وعدم مراقبتها ومتابعتها تؤدي إلى تفشي التلوث بنطاق واسع ، فعلى سبيل المثال : يعتبر تلوث الهواء  في العراق من اخطر انواع التلوث والذي بلغ اشده في السنوات الاخيرة بسبب الحروب ومخلفاتها والعنف المستمر. كذلك خطورة تلوث المياه بسبب النفايات الزراعية اليها من المعامل ومن جهات اخرى وتأثيراتها على صحة الإنسان  وانتشار الامراض المختلفة في انواعها والتي اصبحت تصيب الإنسان  في عمر مبكر وتؤدي إلى هلاكه بشكل مختلف عما كان في السابق، وذلك كله من جراء التلوث البيئي بكل انواعه.

أن ذلك يتطلب وجوب الإهتمام  بأوضاع المجتمع (كجزء من معاناة المجتمعات الدولية بشكل عام) وحماية البيئة من مصادر ومكونات التلوث بشتى انواعه، وحماية الهواء من التلوث بمنع ما ينفث من المعامل أولاً، وإيقاف عملية استخدام الوسائط التي تضر البيئة في كافة إنحاء العالم، والسيطرة على المياه وحجز الملوثات المتأتية من المعامل وعدم السماح لها بالوصول إلى المياه، وإنشاء شبكات أنابيب احدث من الأنواع الموجودة حالياً، وإضافة المعقمات ( المنسجمة مع البيئة) ، وتوفير الخدمات الصحية اللازمة ..