الاثنين، 23 مايو 2016

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي: مفهوم التربية البيئية




مفهوم التربية البيئية
(محاضرة)





د.عبدالمجيد حميد الكبيسي

 يمكن القول بأن العصر الحديث يواجه  بوضوح مجموعة من المشكلات البيئية الكبرى تمثلت بصورة رئيسية فى المشكلة السكانية ببعديها الديموغرافي والتنموي ، واستنزاف الموارد بأنواعها المختلفة، فضلا عن مشكلات تلوث المياة والهواء والتربة،علاوة على التلوث البصري والأشعاعي و الضوضائي..
وعلى أثر ذلك تزايد إحساس الإنسان المعاصر بأهمية وجود نوع من الثقافة البيئية  والذي وصل  ذروته فى مؤتمر البيئة الإنسانية باستكهولم عام 1972، إذ كان بمثابة بروز اتجاه جديد فى الفكر التربوى  تنمية أخلاق بيئية جديدة تنظم علاقة الأنسان ببيئته الكلية ( الطبيعية والثقافية ) وتعالج مشكلات سوء استخدام العلم  والتكنولوجيا وسائر الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية . ثم تلا مؤتمر استكهولم مؤتمرات وندوات عديدة كندوة بلغراد عام 1975 ومؤتمر تبليسي عام 1977 ، وقد أصطلح على ذلك المجال التربوى المهتم بعملية التنمية للأخلاق الإيكولوجية ، وما تتضمنه من أشكال المعرفة والوعى والسلوك والاتجاهات البيئية ، اسم التربية البيئية  (Environmental Education) .

فالتربية البيئية نوع من أنواع التوجيه للتربية، وهو مفهوم تربوي حديث نسبياً بوصفه نتيجة لتفاعل مفهومي التربية والبيئة ووليدهما ، وشهد مؤخرا تطوراً مفاهيميا فأصبح يتضمن النواحي الاقتصادية والاجتماعية بعد أن كان مقتصرا على الجوانب البيولوجية والفيزيائية . وتعد التربية البيئية وسيلة لا غنى عنها للوصول إلى تنمية بيئية متوازنة، باعتبار التربية البيئية تمثل إستجابة القطاع التربوي للقضايا البيئية المعقدة " لقاء التربية مع البيئة "  :

1. مفهوم التربية:
لعل أحدث التعاريف المتداولة في معظم الكتابات عن التربية يقول بأن : التربية هي عملية التكيف أو التفاعل بين الفرد وبيئته التي يعيش فيها، وعملية التكيف أو التفاعل هذه تعني تكيف مع البيئة الاجتماعية ومظاهرها، وهي عملية طويلة الأمد ولا نهاية لها إلا بانتهاء الحياة.
وهذا يعني ان التعريف الحضاري الشامل للتربية يتضمن بأنها العملية الواعية (المقصودة وغير المقصودة) لإحداث نمو وتغير وتكيف مستمر للفرد من جميع جوانبه الجسمية والعقلية والوجدانية والاقتصادية والثقافية والعلمية، على أساس من خبرات الماضي وخصائص الحاضر واحتمالات المستقبل ، فتعمل على تشكيل الأجيال الجديدة في مجتمع إنساني معين في زمان معين، ومكان معين، وتنمية كل مكونات شخصياتهم المنفردة ، وذلك من خلال ما يكتسبونه من معارف واتجاهات ومها رات تجعل كل فرد مواطناً يحمل ثقافة مجتمعه، متكيف معها.

2. مفهوم البيئة:
يمكننا القول إن تعريف البيئة بمداها الشمولي (مهما كانت النظرة إلى البيئة ومجالاتها) يتضمن بأن : البيئة هي مجموعة النظم الطبيعية و الاجتماعية التي تعيش فيها الكائنات و تمارس فيها نشاطها و تستخدم فيها مقومات حياتها .فالبيئة مفهوم ذو طبيعة عامة يضم العديد من العوامل الطبيعية و الحيوية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية  .
وإذا كانت البيئة هي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء وماوى ..، ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر، فإن أول ما يجب على الإنسان الإلتزام به(حفاظاً على هذه الحياة) ،أن يفهم البيئة فهماً صحيحاً بكل عناصرها ومقوماتها ومجالاتها وتفاعلاتها المتبادلة، ثم يقوم بعمل جماعي جاد لحمايتها وتحسينها، و أن يسعى للحصول على رزقه وممارسة علاقاته دون إتلاف أو إفساد.

3. مفهوم التربية البيئية:
 بناء على ماتقدم تعد؛ التربية البيئية  عملية (مقصودة وغير مقصودة) يتم من خلالها توعية الأفراد والمجتمع ببيئتهم وتفاعل عناصرها البيولوجية والفيزيائية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن تزويدهم بالمعارف والقيم والكفايات والخبرة، بل وبالإرادة التي تيسر لهم سبل العمل  فرادى وجماعات لحل مشكلات البيئة في الحاضر والمستقبل .

فاﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻫﻲ ﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﻔﺭﺩ ﻟﻴﺴﻠﻙ ﺴﻠﻭكا ﺭﺸﻴﺩﴽ ﻨﺤﻭ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻌﻴﺵ ﻓﻴﻬﺎ (ﺒﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺸﺎﻤﻝ ﺍﻟﻭﺍﺴﻊ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ ) ﻭﻴﺘﻌﺎﻤﻝ ﻤﻌﻬﺎ ﺒﺭﻓﻕ وﻴﺴﺘﺜﻤﺭ ﺇﻤﻜﺎﻨﺎﺘﻪ، ﻟﻜﻲ ﻴﺴﺘﻤﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻁﺎء.
وﺍﻹﻨﺴﺎﻥ بوصفه  ﺠﺯﺀ ﻻ ﻴﺘﺠﺯﺃ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ، ﻴﺅﺜﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻴﺘﺄﺜﺭ ﺒﻬﺎ، ﻴﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺏء ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ.ولهذا  ﺘﻌﻤﻝ ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺇكساﺏ ﺍﻟﻔﺭﺩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻡ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ﻭﺘﺭﺴﻴﺦ ﺍﻟﻭﻋﻲ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺸﺭﻋﻴﺔ ﻭﺍﻷﺨﻼﻗﻴﺔ، ﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ، ﻭﻟﻬﺎ ﺘﺄﺜﻴﺭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺘﻭﺠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻠﻭﻙ، ﻭﺒﻨﺎﺀ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ﺒﺸﻜﻝ ﺃكثر ﻋﻤﻘﴼ ﺇﺫﺍ ﻁﺒﻘﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺭﺍﺤﻝ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﺘﻌﻤﻝ ﻋﻠﻰ ﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ،ﻭﺍﺘﺨﺎﺫ ﺍﻟﻘﺭﺍﺭﺍﺕ، ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﺭكة ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻟﻠﻔﺌﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺭكيز ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﻋﻲ ﺍﻟﺒﻴﺌﻲ، ﻭﺘﻬﺩﻑ ﺇﻟﻰ ﺘﻌﺩﻴﻝ ﺴﻠﻭﻙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﻥ ﻤﻤﻥ ﺘﺘﺄﺜﺭ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺒﻘﺭﺍﺭﺍﺘﻬﻡ ...
ومع أن التربية البيئية ليست حديثة العهد، بيد أنه منذ عهد قريب بدأ الإهتمام بدمج البيئة صراحة في عملية التربية والتعليم، ولكن بإعطاء الأولويات والعناية بالمشكلات التي تتعلق بحماية الموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية، او ما يتصل بهما من موضوعات.
 
وتسعى التربية الى إعداد الأفراد ليكونوا متوافقين مع بيئتهم، ويتمثل ذلك في تعليم الفرد كي يكون قادراً على فهم نظم البيئة الطبيعية المعقدة التي هو جزء منها، وإستخدامها بمسؤولية وتعزيز.
الهدف الأساسي للتربية البيئية هو السعى الحثيث الى إعداد الفرد الإنساني للعيش الآمن في كوكب الأرض، ومن هنا تتضح العلاقة الوثيقة بين التربية والبيئة، والتي أفرزت مجالاً تربوياً له أصوله ومبرراته وفلسفته وأهدافه ومحتواه ومستلزمات تعليمه وتقويمه، ألا وهو التربية البيئية.
فليس التربية البيئية مجرد معلومات تدرس عن مشكلات البيئة؛ كالتلوث وتدهور الوسط الحيوي أو استنزاف الموارد، ولكنها اتسعت في مفهومها حتي أصبحت أسلوبا تربويا وتعليميا يتمثل في تحقيق مجموعة من الاهداف العامة.
وفي هذا السياق، إذا كانت  التربية البيئية عملية إعداد وتوجيه للفرد نحو التفاعل السليم مع البيئة ، فإن الدارس العلمي للإسلام يرى أن القرآن الكريم وجه سلوك المسلمين وأعدهم للحفاظ على البيئة والاهتمام بها، أعدهم للتفاعل الإيجابي مع البيئة ، ووجه سلوكهم نحو دراستها والحفاظ عليها ، وكذلك فعلت السنة النبوية المطهرة ، و لم يُفسد السلف الصالح في الأرض في يوم من الأيام ، وكذلك فعل المسلمون من بعدهم، إلى أن تخلف المسلمون فبدأت المشاكل البيئية تظهر في حياتهم وتتناسب تناسباً طردياً مع بعدهم عن الهدى العلمي الإسلامي للتربية البيئية والحفاظ على نعم الله الأرضية .  وهكذا تعد دراسة التربية البيئية من أولويات العمل التربوي الإسلامي المعاصر حيث ارتبطت التنمية المستدامة (بمفهومها الواسع) بالبيئة المؤطرة تربوياً.

مصادر للإستزادة :
1.   الحمد رشيد ، و صباريني، محمد سعيد ،  ،1984، البيئة ومشكلاتها،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،سلسلة كتب ثقافية شهرية العدد22، الكويت .
2.       الحفار، سعيد محمد،2002، التربية البيئية، هيئة الموسوعة العربية،دمشق، سورية.
3.       اﻟﺸﺭﺍﺡ، ﻴﻌﻘﻭﺏ ﺃﺤﻤﺩ،1986، ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ط1،ﻤﺅﺴﺴﺔ ﺍﻟﻜﻭﻴﺕ ﻟﻠﺘﻘﺩﻡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ،الكويت. 
4.   علي،هالة مجيد،2012، المهام التربوية لمعلمي العلوم في نشر الوعي البيئي على وفق متطلبات التنمية المستدامة، جامعة ديالى. كلية التربية الأساسية ، ديالى، العراق.
5.   الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر ،2011، التربية السكانية : المفاهيم - الاهداف – المحتوى-منحى النظم- المنهجية- التقويم ، ط1،ط2 ،مكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ، الاردن.
6.   الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2014، النظم والمنظومية رؤى تربوية، دار الإعصار العلمي ومكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ، الاردن.
7.ﺍﻟﻠﻘﺎﻨﻲ، ﺃﺤﻤﺩ ﺤﺴﻴﻥ، ﻭﻤﺤﻤﺩ، ﻓﺎﺭﻋﺔ ﺤﺴﻥ، 1999 ،ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺤﺎﻀﺭ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻝ،ﻋﺎﻟﻡ ﺍﻟﻜﺘﺏ، ﺍﻟﻘﺎﻫﺭﺓ، مصر.











الحمد لله رب العالمين


د. عبد المجيد حميد الكبيسي



الثلاثاء، 17 مايو 2016

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي : الوفاق بين الإنسان والبيئة



الوفاق بين الإنسان والبيئة



د.عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي
مدرس الدراسات السكانية والبيئية في تربية الإنبار

(دورة مكافحة التلوث البيئي لمدرسي التعليم الثانوي تموز2013 ، المحاضرة الأولى )
مديرية الإعداد والتدريب لمحافظة الأنبار
المديرية العامة لتربية الأنبار
وزارة التربية- العراق






الوفاق بين الإنسان والبيئة
مقدمة
أولاً. البيئة الأولى للإنسان (البيئة قبل الولادة)
ثانياً. البيئة  (بعد الولادة)
ثالثاً. مراحل العلاقة بين الإنسان بالبيئة
رابعاً.نظريات العلاقة بين الإنسان بالبيئة
خامساً. أنواع التلوث البيئي
سادساً.أضرار التلوث البيئي
سابعاً.التنمية المستدامة
ثامناً. الأقتصاد الأخضر
تاسعاً.إعادة الوفاق بين الإنسان والبيئة
                                          المصادر





الوفاق بين الإنسان والبيئة
------
د.عبدالمجيد حميد الكبيسي


مقدمة :
العلاقة بين الإنسان والبيئة قائمة مادامت الحياة، والبيئة في أبسط تعريفٍ لها إنها مجموعة النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية المترابطة فيما بينها, وتشكل موطنا للإنسان والكائنات الأخرى, يستمدون منه (الموطن)  زادهم, ويؤدون فيه نشاطهم تأثيرا وتأثرّا، فهي كل ما يحيط بالإنسان  أي  الإطار الذي يُمارِس فيه الإنسان حياته وأنشطته المختلفة، وتشمل الأرض التي يعيش عليها، والهواءَ الذي يتنفسه، والماءَ الذي هو أصلُ كل شيء حيٍّ، منذ أن خَلَق الله الإنسان والأرض على صورتهما الفطرية.
يعيش الانسان منظوميا في عالمين، الاول هو العالم الطبيعي ويتكون من الكائنات الحية والتربة والهواء والماء بالاضافة الى البشر ، والثاني هو العالم المشيد والاجتماعي الذي انشأه الانسان باستخدام العلم والتكنولوجيا والمنظمات السياسية . ومع أن كلا العالمين ضروريا لحياتنا، بيد أن التقاطع بينهما قد يؤدي الى حدوث مشكلات تؤثر على حياة الكائنات الحية على هذا الكوكب.
 ويمكن القول بأن قضية "الإنسان والبيئة" قضية صراع أزَليٍّ للتحدي من أجل بقاء الإنسان ورفاهيته، اختلفت طبيعته بين مرحلتين، مرحلة طويلة تشغل معظم فصول التَّاريخ كان الإنسان هو الطرف الأضعف الخاضع للبيئة الطبيعية، قبل أن يصبح( حديثًا ) الطرفَ الأقوى، الذي يقوم بإخضاع البيئة واستغلالها استغلالاً قاسيًا يتَّسم بالشراهة والحمق، ومِن هنا بدأت قضية الصراع التاريخي غير المدرك لأبعاد العلاقة الحقيقية بين الإنسان والبيئة وجذورها، عبر الماضي والحاضر.
فقد كان تأثير البشر الاوائل على البيئة محدودا ،إذ كان جل اهتمام السكان الاوائل آنذاك  حماية انفسهم من البيئة ، اما في العصر الحديث فقد امتلك الانسان القدرة على استخلاص المصادر المختلفة واستهلاكها، وانتاج كميات كبيرة من النفايات ، وتشكيل العالم الذي يعيش فيه ، بحيث اصبح يهدد وجوده كما يهدد حياة الكائنات الحية التي تشاركها العيش على هذا الكوكب.وقد ظهرت مشكلات عديدة مثل ؛التلوث، والاستنزاف، والاسراف في الاستهلاك، والتصحر، والصيد الجائر، وقسوة المناخ، ..
وفي هذا الخضم، يعد الإنسان أهم عامل حيوي في إحداث التغيير البيئي والإخلال الطبيعي البيولوجي، فمنذ وجوده وهو يتعامل مع مكونات البيئة، وكلما توالت الأعوام ازداد تحكماً وسلطاناً في البيئة، وخاصة بعد أن يسر له التقدم العلمي والتكنولوجي مزيداً من فرص إحداث التغير في البيئة وفقاً لازدياد حاجته إلى الغذاء والكساء.
وهكذا قطع الإنسان أشجار الغابات وحول أرضها إلى مزارع ومصانع ومساكن، وأفرط في استهلاك المراعي بالرعي الجائر، ولجأ إلى استخدام الأسمدة الكيمائية والمبيدات بمختلف أنواعها، وهذه كلها عوامل فعالة في الإخلال بتوازن النظم البيئية، ينعكس أثرها في نهاية المطاف على حياة الإنسان ذاته. فللتصنيع والتكنولوجيا الحديثة آثاراً سيئة في البيئة، إذ أدى انطلاق الأبخرة والغازات وإلقاء النفايات إلى اضطراب السلاسل الغذائية، وانعكس ذلك على الإنسان الذي أفسدت الصناعة بيئته وجعلتها في بعض الأحيان غير ملائمة لحياته .
فعلاقة الإنسان بالبيئة هي علاقة العضو بالجسم, فكل عضو من أعضاء الجسم يغذي ويتغذى, يأخذ ويعطي. ولابد في ذلك كله من حدوث توازن كلي في هذه العلاقة الوظيفية المتبادلة بين الإنسان وبيئته, ولابد في كل ذلك من ترشيد العلاقة بين مدخلات ومخرجات نظام التفاعل بين الإنسان وبيئته. فلكل نظام مدخلاته ومخرجاته, وكل مخرجاته تصبح مدخلات وهكذا في علاقة دائرية مركبة.

أولاً. البيئة الأولى للإنسان (بيئة قبل الولادة) :
بعد أن تخصب البويضة في قناة فالوب تتجه نحو الرحم وتستغرق رحلتها حوالي خمسة أيام، وفي الرحم تغرس البويضة المخصبة وتبدأ بذلك مرحلة الحمل.يأخذ الجنين حاجته من الغذاء والأكسجين من دم أمه عبر المشيمة ويتخلص من فضلاته من نفس الطريق.. وبالرغم من أن الجنين يعيش في قرار مكين إلا أنه يتأثر وتتأثر به أمه .إذاً بيئة الإنسان وهي بيئة ما قبل الولادة عبارة عن إطار أو موقع يعيش فيه الإنسان جنينا ويستمد منه مقومات نموه ويتأثر بالبيئة الخارجية من خلال تأثر أمه بها. وفى هذه البيئة الأولى تتحدد صفات الإنسان وفق ما يغترف من ثروة " الجينات" التى هى " البيئة الوراثية ".

ثانياً. البيئة  (بعد الولادة) :
أما بيئة ما بعد الولادة ، فتتدرج من البيت إلى الحي الى المدرسة ، ثم المدينة ثم الوطن والكرة الأرضية كلها ، من خلال وسائل الاتصال المختلفة ، ثم الكون كله ، وهو البيئة الكبرى للإنسان ، فالطاقة الشمسية التى تصل إلى الأرض باستمرار وانتظام هى الأساس فى كون الارض بيئة صالحة لبقاء الحياة واستمرارها . على أن الإنسان فى هذا التدرج لا يكون معزولا فى بيئة معينة ولا يتأثر بغيرها ، فكوكب الأرض يتأثر بمكونات الكون الأخرى وفق علاقة منظومية بالغة الدقة والإتزان . وهذا يعنى فى الواقع أن هناك بيئة كبرى واحدة تتمثل فى الكون بأسره ، وما يحدث فى جزء منه يؤثر فى الكل . وهكذا تكبر وتتسع بيئة الإنسان  مع نموه واتساع خبراته.
إن شخصية الإنسان ومسلكه واتجاهاته والقيم التي يؤمن بها تحددها أنماط التفاعل مع مكونات البيئة وبتعبير آخر فإن الإمكانات البشرية التي يجيء بها الإنسان من بيئة ما قبل الولادة قد تتحقق بكاملها وقد تتحقق جزئيا كما يمكن أن تخنق هذه الإمكانات وتعطل. والذي يقرر كم من هذه  الإمكانات سيتحقق هو الوسط (بكل مكوناته) الذي يعيش فيه الإنسان والذي يعبر عنه بلفظة البيئة.
ثالثاً. مراحل العلاقة بين الإنسان والبيئة:
منذ بدء الحياة البشرية وعلى مر العصور يؤثر الانسان فى البيئة ويتأثربها ، ففى عصر ما قبل التاريخ، عاش الانسان على حرفتى الجمع والصيد، وسكن الكهوف فخضع الانسان للبيئة وظروفها، وكأنه عبدا للبيئة . وكان مفهوم النظام البيئى يرى الارض هى البيئة التى يعيش فيها الانسان وغيره من الكائنات الحية النباتية والحيوانية ويؤثر فيها ويتأثر بها.

وفى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين،  حدث تطور فى النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية نتيجة تقدم الزراعة والصناعة ووسائل النقل والمواصلات ، وبذلك أصبح الانسان سيدا مهما في البيئة . وتبلور مفهوم النظام البيئي ليشمل مجموعة العناصر التي تتكون منها البيئة وتؤثر في بعضها البعض , ويمتاز بأنه نظام بيئي مفتوح تدخله العناصر في صورة محددة وتخرج منه في صور أخرى .
وهكذا مرت علاقة الانسان بالبيئة التي يعيش فيها بمراحل توضح تطور العلاقة وتدرج ظهور المشكلات وتعقيدها، بداية من  مرحلة الصفر  (التي هي بداية ظهور الإنسان بشكل فردي والحيوان والنبات، كما كانت البيئة غنية جداً بالموارد، ولكن لا يوجد هناك أي تأثير من الإنسان على البيئة، حيث لم يظهر أي شكل من أشكال الحياة على كوكب الأرض )،وصولا الى المراحل الآتية التي يمكن ايجازها على النحو الآتي:
1.مرحلة الجمع و الصيد:
لقد عاش البشر الاوائل في هذه المرحلة على شكل جماعات صغيرة، تعتمد على الصيد وجمع الثمار للحصول على غذائها وتتنقل من مكان لآخر ، و لم يكن لهم تأثير يذكر على البيئة . لذا فقد كانت العوامل المؤثرة في البيئة هي عوامل طبيعية مثل الزحف الجليدي والبراكين والبرق، والفيضانات وغيرها من الظواهر .ويمكن تقسيمها الى مرحلتين تطورتين :
1.1. الأولى التطورية:
 وهي مرحلة الجمع والالتقاط إذ كان الإنسان يجمع طعامه، مثله فى ذلك كمثل الحيوانات العشبية، مما تجود به النباتات البرية من ثمار وأوراق ، وألياف ودرنات. وكان أثر الإنسان على البيئة فى هذه المرحلة لا يكاد يتجاوز أثر غيره مما تحتويه البيئة من شتى الأحياء .
2.1. الثانية التطورية:
وهي مرحلة الصيد والقنص فكانت مرحلة تطورية بالغة الأهمية، إذ بدأ الإنسان يتمايز عن غيره من الأحياء بما وهبه الله من قدرات خلقية وإمكانات عقلية وبدأ العلم يتغلغل، وأصبح غريزيا قادرا على التعرف تصنيفيا على أسماء ما يقتنصه من حيوانات، وإلى دراسة تحركاتها اليومية والموسمية، ودورة حياتها وطرق تكاثرها والعمل على تقدم تكنولوجيا الصيد، وتطوير أسلحته، وأهم ما استحدث في هذه المرحلة بالذات هو اكتشافه النار .
2. مرحلة الثورة الزراعية :
وتعود إلى قبل 10 آلاف سنة تقريبا (ولغاية بدء الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر) ،وهي مرحلة الرعي واستئناس الحيوانات والزراعة البدائية، حيث اتخذ من الزراعة سبيلا ليضمن لنفسه ولحيواناته المستأنسة احتياجاتها الغذائية، وفى هذه المرحلة اهتم بدراسة الأحوال الطبيعية والظواهر البيئية، كما صاحبت هذه المرحلة تحولات حضارية واجتماعية قادته إلى مرحلة الزراعة والاستقرار، ووجد الإنسان نفسه في هذه المرحلة الاستقرارية مضطرا إلى استكمال سيادته على الأحوال البيئية، ليضمن لزراعته الازدهار ولثروته الحيوانية التنمية ومواصلة الحياة . ثم استقر الانسان في اماكن معينة ،وعلى أثره كبرت المجموعة السكانية لبني   البشر على سطح الكرة الأرضية. وقد قام الإنسان في هذه المرحلة بحرق الغابات لزراعتها بالمحاصيل مما اثر سلبا على البيئة وأدى إلى انجراف التربة.  

3. مرحلة الثورة الصناعية :
وهى مرحلة التصنيع أو عصر الصناعة ،وتمتد من منتصف القرن الثامن عشر ولغاية منتصف القرن العشرين حيث استخدم في هذه الفترة الوقود الاحفوري ،فضلا عن هجرة أعداد كبيرة من الريف إلى المدن . وقد انتج مواد غريبة على الانظمة البيئية لم يسبق ان كانت ضمن مكوناتها كالمبيدات الحشرية والمبلمرات . وقد أدى ذلك إلى مشكلات بيئية واقتصادية واجتماعية، تتطلب مواجهتها تضافر جهود كل من التربويين والعلماء وواضعي التشريعات والقوانين .
وفيها استطاع الإنسان أن يستحدث بيئة من صنعه بما فيها من وسائل تدفئة وتبريد وإضاءة ، وابتكر مصادر للقوى جعلها طوع إرادته، وهكذا تبدل الحال، فبعد أن كانت البيئة بما فيها من توازن طبيعي هي المسيطرة على سلوك الإنسان، أصبح الإنسان الآن هو المسيطر على البيئة ومالك الزمام . وقد طرأت تبعا لذلك عدة مسائل بالغة الأهمية من حيث علاقة الإنسان بالبيئة، منها قدرة الإنسان على استغلال مصادر الطاقة كالفحم والبترول، نتج عن احتراقها غازات ونفايات أحدثت أنواعا جديدة من الملوثات بحيث لم تتمكن الطبيعة من التخلص منها.
4. مرحلة ثورة المعلومات والاتصالات :
وهي المرحلة التي نعيشها الآن، وتتميز هذه المرحلة بتقدم العلوم والتكنولوجيا والتوسع في استعمال الحاسبات الالكترونية. وقد ساهمت ثورة الاتصالات في خلق نظام العولمة سواء الاقتصادية او السياسية او الاجتماعية والثقافية ، وجعل العالم قرية صغيرة.
ويمكن القول ان المشكلات البيئية زادت بعد الثورة الصناعية وثورة المعلومات،حيث زاد استخدام الوقود الاحفوري ونتج عن ذلك زيادة نسبة غاز ثاني اكسيد الكربون في الهواء الجوي ، بحيث لم تعد الانظمة البيئية قادرة على استيعاب الفائض من هذا الغاز .ولم تكن البيئة بمفهومها الحالي موضع إهتمامه وحرصه، فقد بدأ كإنسان متجول ثم ما لبث أن استقر فأصبح مزارعا ثم تطور ليصبح إنسانا صناعيا.
رابعاً. أسس ونظريات العلاقة بين الإنسان والبيئة :
1. أسس العلاقة بين الإنسان والبيئة :
1.1. الأساس التاريخي للعلاقة بين الإنسان والبيئة:
من خلال دراسة الأسس التاريخية لعلاقة الإنسان بالبيئة ومدى توافقِه أو صراعِه معها ؛ تُطالعنا الخلفيَّة التاريخية لها(متى بدأ الإحساس بمشكلات البيئة على المستوى المحلي والعالمي)  لذا فقد وجه الاهتمام إلى المشكلات البيئية منذ ما يَقرُب من ثلاثين عامًا، غير أنَّ مشكلات الإنسان مع البيئة قديمة قِدَم الإنسان نفسِه. وتعد هذه المشكلات وخيمةَ العاقبة ما لم نعمل على تجنبها؛ فالتلوُّث مدمِّر للأنهار والبُحيرات؛ إذ يجعل المياه غير صالحة ويُسمِّم الأسماك، وقد وجهت العناية لمكافحة تلوُّث الهواء؛ لما لهذا التلوث من آثار ضارَّة على صحة الإنسان.
2.1.الأساس الاجتماعي للعلاقة بين الإنسان والبيئة:
تتناول الأسس الاجتماعيَّة  مناقشة مفهوم البيئة الاجتماعيَّة والثقافية، مع إبراز الثقافة المادية بوصفه نتاجَ التكنولوجيا، وعرض الآثار الحسنة والسيئة للتقدم التكنولوجي من الناحية الاجتماعية، وأنماط العلاقة الاجتماعيَّة القائمة بين الأفراد والجماعات؛ كالنظام الاقتصادي والخلقي، أما البيئة الثقافيَّة فهي بيئةٌ استحدثها الإنسان، وذلك بإضافة مفردات جديدة إلى البيئة الطبيعية والاجتماعية، وتتكون البيئة الثقافية من عنصرين:
1.2.1. عنصر غير مادي:
 ويتمثل في العادات والتقاليد البيئية غير السوية نوجِزُ بعضها فيما يأتي:
أ. تعلية صوت الراديو أو التليفزيون. 
ب.إلقاء القمامة من نوافذ العمارات إلى الشارع.
ت. الإسراف في استخدام آلات التنبيه للسيارات.
2.2.1.العنصر (الجانب) المادي:
 ويتمثل في الثقافة المادية التي هي نتاج التكنولوجيا، والتي تعدُّ عاملاً وسيطًا بين الإنسان والبيئة الطبيعية، ولَمَّا كانت التكنولوجيا دائمًا ضرورية، وعلى درجة بالغة من الأهمية للوجود والتقدُّم الإنساني، ونعني بها استخدام المعرفة في التطبيق العلمي؛ مما ساعد على إيجاد اختراعات تكنولوجية أسهمَت في تقدُّم العلم ، فإنَّ هناك انعكاسات سلبية لها تتمثل في تلوُّث الماء والهواء والتربة، ومشكلات الطاقة والإشعاعات، وحوادث السيارات، ووسائل النقل الأخرى وغير ذلك.
3.1.الأساس النفسي (السيكولوجي) للعلاقة بين الإنسان والبيئة:
إنَّ الحاجة لعلم النفس البيئي أصبحت ضروريةً لعلاج العلاقة بين الإنسان والبيئة، وتحويلِها من صراعٍ وعَناء إلى توافق وبقاء؛ فالبيئة هي الأم وليست العدو، وبدونها لا نستطيع أن نحيا حياةً طيبةً، وبدوننا لا تستطيع الطبيعة أن تستمر وتزدهر وتبقى؛ فهي علاقة أم بأبنائها، وعلاقة ابن بأمه، وقد تخيل الإنسان قديمًا أنَّ الطبيعة عدو له، فهي الأقوى وتطارده بالأمطار والبراكين والزَّلازل والأعاصير، وشعر أنه تغلَّب عليها بالتقدم والتكنولوجيا، وأصبح هو الأقوى منها وهي الأضعف، فانقلبت حالة العلاقة بينه وبينها إلى صراع بين الأقوى والأضعف. فالأمر يحتاج إلى إعادة التصالح بين الإنسان والبيئة.
2. نظريات العلاقة بين الإنسان والبيئة :
يسعى الإنسان دائما وأبداً إلى استغلال موارد بيئته لإشباع حاجاته، ويترجم هذا الاستغلال  صورة العلاقة بين الإنسان وبيئته، فاختلفت وجهات نظر الباحثين بشأنها، وفي محاولة أيكولوجية لتصنيف التوجهات التي تناولت موقع الفرد بالنسبة للبيئة, تم تصنيفها في ثلاث فئات هي: الفئة الأولى : الإنسان خاضع للطبيعة (النظرية الحتمية). الفئة الثانية: الإنسان مسيطر على الطبيعة (النظرية الإختيارية) . الفئة الثالثة: الإنسان متآلف مع الطبيعة (النظرية التوافقية). وهكذا تباينت النَّظريات الفلسفية لعلاقة الإنسان بالبيئة على النحو الاتي:
1.2. الحتمية البيئية (المطلقة) :
 تذهب هذه النَّظرية إلى أن الإنسانَ كائن سلبي إزاء قُوَى الطبيعة، وترى أن البيئة المادية قوةٌ ذات تأثير(فعل) حَتْمي في الكائنات الحية،  وتأثير البيئة في الإنسان تأثير مطلق وليس للإنسان أي تأثير بل عليه الخضوع.
2.2. الحتمية الحضارية ( النظرية الاختيارية ) :
وتذهب هذه النظريَّة إلى أنَّ قدرات الإنسان العقلية قد عاونته على تشكيل حضارة مادية وغير مادية، وعلى التحكُّم في المكونات البيئية،.  فترى أن تأثير الإنسان في البيئة تأثير مطلق، ورفضت نظرية الحتمية البيئية؛ لأن البيئة ليست عاملاً حتميًّا، وإنما مُجرد عامِل واحد مَحدود.
3.2. التأثير المتبادَل بين الكائن الحي والبيئة ( النظرية التوافقية - الإحتمالية):
ترى هذه النظرية أن هناك تأثيرًا متبادلاً بين البيئة ومكوناتها، فالكائن الحي لا يتأثر بكُلِّ ما يحيط به من ظواهر؛ كالطاقة والحرارة فحسب، بل إنَّ البيئة هي الأخرى تتأثرُ بالنشاط الإنساني؛ أي  إنَّ التأثير بينهما متبادل. فهناك تبادل في العلاقات بين الكائنات الحية وبقية عناصر البيئة،حيث يفترض هذا المنحى وجود علاقة توافقية بين القوى الطبيعية واستخدام الإنسان للبيئة، في إطار نهج تعاوني مع البيئة قد يسفر عن استخدام أفضل للبيئة.
ولتقنين العلاقة بين الإنسان وبيئته يرى البيئيون أن ضدية الإنسان نحو الطبيعة ينبغي أن تتحول إلى توافق بين الطرفين من خلال إيجاد الوعي البيئي عند الناس والتركيز على مناهج التعليم البيئي في المؤسسات التعليمية, وكذلك العمل بمحاور الميثاق الأخلاقي للبيئة التي تتبنى أفكارًا رئيسية منها:
1.3.2.2اعتبار الإنسان جزءًا أو تابعًا للطبيعة ويشكل مكونًا ديناميكيًّا في عملياتها مع الإدراك أن الإنسان ليس فوق الطبيعة بل ينبغي أن يشعر الإنسان بأنه أحد مكونات الطبيعة يدين بالولاء لها ويحافظ عليها ولا ينعزل عنها.
2.3.2. اعتبار أن الطبيعة أساس ودعامة للبيئة البشرية وتعبير عن الحياة وليست مجالاً للتلاعب الإنساني في مختلف مكوناتها الحيوية, فالطبيعة ليست فقط الموارد الأرضية التي يستغلها الإنسان لصالحه, وإنما هي كل الفنون والجماليات والرموز التي خلقها الخالق والتي تشكل الإبداعات الكونية والمعجزات الإلهية لتسخّر للإنسان بالعقل والتعقل, وليس بالفوضى وعدم الحكمة.
3.3.2. بناء مشاعر الارتياح والتناغم في علاقة الإنسان ببيئته والمواءمة بين العقل والجسد كوحدة متكاملة بعيدة عن المتناقضات والازدواجية المربكة التي نجدها في الغالب تعكس استخدام الجسد في تدمير البيئة بينما نجد العقل قد لا يوافق على سلوك التدمير.
4.3.2. تنمية الوجدان وترسيخ القيم وكسب المهارات التي تعين على سلامة تعامل الفرد مع البيئة كما أن تعلم المفاهيم البيئية المناسبة يقوي مجالات القيم والمهارات والأساسية.
5.3.2. إن التعامل الحكيم مع البيئة إذن يتطلب قدرًا كافيًا من حسن التصرف في المواقف المتبدلة, وتعلم كيف يجب أن يفكر الإنسان أمام المشكلات المختلفة بغية الوصول إلى الحلول السليمة. ولا نعني بالإنسان من يتخذ القرارات المهنية أو ذلك المهني البيئي فقط, وإنما المقصود هو أن جميع الأفراد في المجتمع تقع عليهم مسئولية المحافظة على البيئة والمشاركة الإيجابية في الأنشطة الداعمة لتنميتها, فالهدف من بناء علاقة وثيقة بين الإنسان وبيئته هو التحرك من الانشغال المستمر في معالجة الأزمات الطارئة إلى منع حدوث هذه الأزمات من خلال الوعي والخطط المستقبلية الهادفة.
6.3.2. والمشاركة لا يقصد بها مجرد تلبية النداء لأداء الواجب أو المساهم لدوافع اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو غير ذلك, وإنما لابد من أن تكون المشاركة هي المشاركة الضميرية أو الوجدانية التي بواسطتها يندفع الإنسان نحو التطوع في العمل راحة لنفسه وحبًّا بالآخرين وولاء لوطنه بعيدًا عن الشكلية أو المظهرية أو لدوافع تحقيق مكانة اجتماعية أو كسب اقتصادي.
خامساً. التلوث البيئي:
يتضمن التعريف الشامل للتلوث كل المعاني الآتية:
 ■ إنه تغيير فيزيائي أو كيميائي أو بيولوجي مميز يؤدي إلى تأثير ضار على الهواء أو الماء أو الأرض، أو يضر بصحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى، وكذلك يؤدي إلى الأضرار بالعملية الإنتاجية كنتيجة للتأثير على حالة الموارد المتجددة.هو تدمير أو تشويه النقاء الطبيعي لكائنات حية أو لجمادات بفعل عوامل خارجية منقولة عن طريق الجو او المياه او التربة.
 هو كل تغيير كمي أو كيفي في مكونات البيئة الحية أو غير الحية، لا تستطيع الأنظمة البيئية على استيعابه دون أن يختل اتزانها.
 ■ هو كل ما يؤدي نتيجة التكنولوجيا المستخدمة إلى إضافة مادة غريبة إلى الهواء أو الماء أو الغلاف الأرضي في شكل كمي، تؤدي إلى التأثير على نوعية الموارد وعدم ملاءمتها وفقدانها خواصها أو تؤثر على استقرار تلك الموارد.
هو إدخال إي مادة غير مألوفة إلى أي من الأوساط البيئية، وتؤدي هذه المادة الدخيلة عند وصولها، لتركيز ما إلى حدوث تغيير في نوعية وخواص تلك الأوساط.
 إدخال مواد أو طاقة بواسطة الإنسان سواء بطريق مباشر أو غير مباشر إلى البيئة، بحيث يترتب عليها آثارة ضارة من شأنها أن تهدد الصحة الإنسانية، أو تضر بالموارد الحية او بالنظم البيئية أو تنال من قيم التمتع بالبيئة أو تعوق الاستخدامات الأخرى المشروعة لها.
إن تلوث البيئة ظاهرة خطيرة، و مصادرها كثيرة دخلت على الإنسان من مختلف جوانب حياته ، حتى ليكاد يعجز عن درك أخطارها التي تغلغلت في كل مجال مع تيار المدنية والتكنولوجيا الدافق بخيره و شره. وفي هذا المضمار ليس هناك مصدر واحد للتلوث بل هناك عدة مصادر كثيرة منها:

1.تلوث التربة (اليابسة):
يحدث تلوث التربة نتيجة إفراط الإنسان في استخدام المبيدات الحشرية بصورة مفرطة، أوالتوسع العمراني الذي أدى إلى تجريف وتبوير الأراضي الزراعية، أو التلوث بالمعادن الثقيلة أو بواسطة المواد المشعة، ومن أهم النتائج المترتبة على تلوث التربة التلوث الغذائي. إن التربة التي تعتبر مصدراً للخير والثمار، من أكثر العناصر التي يسئ الإنسان استخدامها فى هذه البيئة. فهو قاسٍ عليها لا يدرك مدى أهميتها فهي مصدر الغذاء الأساسي له ولعائلته، وينتج عن عدم الوعي والإدراك لهذه الحقيقة إهماله لها .

2. تلوث الماء:
 يشتمل تلوث المياه على تلوث المياه العذبة، ويحدث تلوث الماء نتيجة لإلقاء الإنسان للمخلفات في المياه، فمثلا من أكثر المصادر التي تتسبب في تلويث مياه المجارى المائية هي مخلفات المصانع السائلة الناتجة من الصناعات التحويلية؛ توليد الكهرباء، المهمات الكهربائية وغير الكهربائية، الحديد والصلب، المنتجات الأسمنتية، الزجاج، منتجات البلاستيك، المنتجات الكيميائية، الصابون والمنظفات، الدهانات، ورق كرتون، الجلود والصباغة، الغزل والنسيج، المواد الغذائية، تكرير البترول.وتلوث المياه له أضرار بالغة على الإنسان لأنه يسبب العديد من الأمراض مثل البلهارزيا ،الكوليرا ،أمراض الكبد ، التيفوئيد ، الملاريا..

3. تلوث البيئة  البحرية:
إن مصادر تلوث البيئة البحرية متعددة، و تختلف حدتها من مكان إلى آخر في بحار و محيطات العالم. و تتوزع بشكل غير متجانس في البحر الواحد و لأنها تتركز على الشواطئ و قرب الأماكن السياحية و مصادر التلوث مثل المصانع و محطات توليد الطاقة و مصافي تكرير النفط و التجمعات السكانية و يمكن أن تصنف مصادر تلوث البيئة البحرية إلى:
1.1. تلوث البيئة البحرية الناتج عن النشاط البشري
كالصرف الصحي و مخلفات الصناعة السائلة و الصلبة، علاوة على  مخلفات عمليات الاستكشاف و التنقيب عن النفط، بالإضافة إلى عمليات الحفر لاستخراجه من الآبار في قاع البحار و المحيطات، و دفن المخلفات المشعّة و المخلّفات العمرانية و الصحية و إلقاء النفايات من السفن و الطائرات. و التخلص من الحمأة في محطات معالجة المخلفات بالإضافة إلى التلوث الحراري الناجم عن المحطات الكهروحرارية الساحلية.
وتعد أخطر الملوثات؛ هي المخلفات و النفايات غير القابلة للتحلل كالبلاستيك و اللدائن، و المخلفات ذات النشاط الإشعاعي، و المعادن السامّة و المواد الكيميائية الأخرى. إن البيئة البحرية لا تستطيع استيعاب الملوثات البشرية و التأقلم معها. ما عدا بعض الملوثات العضوية و بكميات و نسب محدودة.
2.1. التلوث البحري الناجم عن الملوثات الطبيعية:
كالأنشطة البركانية و ما تحمله من عناصر صلبة و حارة و غازات تتحول إلى شوارد حمضية أو قلوية أو ملحية. كما توجد مخلفات للكائنات البحرية من حيوانية و نباتية. و لكن البيئة البحرية تستطيع استيعاب الملوثات الطبيعية ضمن دارتها الحيوية فتعيد تنقيتها و التخلص منها.
4. تلوث الهواء:
تلوث الهواء قد يحدث بالفعل البشرى، أو يحدث بفعل الطبيعة عن طريق وجود الأتربة والعواصف والأعاصير، أو قد يحدث نتيجة الفعل البشري عن طريق الإشعاعات، واختراع الإنسان للوسائل التكنولوجية المؤثرة على الطبيعة بصورة كبيرة، أو عوادم السيارات والوقود وغيرها من المصادر الصناعية الملوثة للهواء . نقصد بتلوث الهواء وجود المواد الضارة به مما يلحق الضرر بصحة الإنسان فى المقام الأول ومن ثَّم البيئة التي يعيش فيها .
5.التلوث السمعي:
 يرتبط التلوث السمعى أو الضوضاء ارتباطاً وثيقاً بالحضر أكثر الأماكن تقدما،ً وخاصة الأماكن الصناعية للتوسع في استخدام الآلات ووسائل التكنولوجيا الحديثة .
6.التلوث البصري ( اختفاء المظهر الجمالي) :
التلوث البصري تشويه لأي منظر تقع عليه عين الإنسان، يحس عند النظر إليه بعدم ارتياح نفسي . ويمكننا وصفه أيضا ً بأنه نوعا ً من أنواع انعدام التذوق الفني، أو اختفاء الصورة الجمالية لكل شئ يحيط بنا من أبنية ... إلي طرقات ... أو أرصفة وغيرها .
7.التلوث بالنفايات:
من أنواع التلوث البيئى التلوث بالنفايات والتى تشتمل على: القمامة - النفايات الإشعاعية .
8.التلوث البصرى:
 هو تشويه لأي منظر تقع عليه عين الإنسان يحس عند النظر إليه بعدم ارتياح نفسي، ويمكننا وصفه أيضاً بأنه نوعاً من أنواع انعدام التذوق الفني، أو اختفاء الصورة الجمالية لكل شئ يحيط بنا من أبنية ... إلي طرقات ... أو أرصفة.
9.التلوث الغذائي:
تلوث الأطعمة يزداد يوم بعد يوم بصورة مفزعة حتى وفى البلدان المتقدمة التى بها أعلى مستويات الرعاية والعناية.
10.التلوث الإشعاعي:
يحدث التلوث الإشعاعي عند انطلاق أو تسرب المواد المشعة ( صلبة , سائلة أو غازية ) من الأوعية التي تحتويها من خلال ثقوب أو شروخ بها أو نتيجة لانفجارها . تندمج المواد المشعة بعد تسربها في عناصر البيئة المختلفة مثل الماء والتربة والهواء لتنتقل بعد ذلك إلى الإنسان
11.التلوث الكهربائي:
لاشك أن الموجات الكهرومغناطيسية لانحس بها ولانراها عندما تنبعث من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية وأسلاك توصيل الكهرباء ولاسيما خطوط الضغط العالي والمحولات الكهربائية . ووجد أن من أسباب تفشي سرطان الدم ولاسيما عند الأطفال تعرضهم بكثرة لهذه الموجات ولاسيما الأطفال الذين يسكنون تحت خطوط الضغط العالي أو قرب المحولات الكهربائية .

سادساً.أضرار التلوث البيئي:

1. أمثلة ؛ من أضرار التلوث البيئي :
1.1. التلوث البيئي يؤدي الى الإصابة بالسكتة الدماغية حيث كشف العلماء في تايوان عن وجود علاقة واضحة بين تزايد مستويات اثنين من الملوثات الشائعة وبين الإصابة بسكتة دماغية وخاصة في الأيام الحارة كما يسبب الأذى للمحاصيل، و يحمل في طياته الأمراض التي تهدد الحياة.
2.1. التلوث البيئي يؤدي الى كثرة الامراض والتسارع في انتقالها.
3.1. التلوث البيئي يؤدي الى هلاك العديد من البشر.
4.1. التلوث البيئي يؤدي الى القضاء على الثروة البحرية خاصة عند افراغ زيوت السفن . والحروب وماتسببه من ملوثات كارثية.
5.1. التلوث البيئي يؤدي الى انتشار مرض السرطان .

2. أمثلة ؛ عن طرق الحد من أضرار التلوث البيئي:

1.2. الحد من التضخّم السكاني ؛ تشجيع النّاس على العيش في المناطق الريفيّه فهي تقلّل من ضجيج المدن وتساعد الإنسان على الإبتعاد عنها والعيش في مكان هادئ والعيش مع الطبيعه كالهواء الجيد والماء الصافي.
2.2.  توعية النّاس عن أسباب ومخاطر التلوّث ، ووضع المسؤوليةُ على عاتق المؤسسات المسؤولة ومحاسبتها.
3.2. جعل أماكن خاصّة للمخلّفات الصناعية والمنزليّة وغيرها في أماكن خاصة. بعيدة عن السكان ومعالجتها للتقليل من الأمراض والكائنات المضرّة بالبيئة .
4.2.  تشجيع النّقل العام بدلاً من النّقل الخاص ؛ للتقليل من الغاز الذي يخرج من عوادم السيارات ؛ وبالتّالي تقل المواد الخارجه على البيئة.
5.2.  دراسة المنتجات التي تصنعها الشركات ووضع معايير لها ، و دراسة عمل المصانع وبيئة عملها، وكيف تتخلّص من منتجاتها والتخلُّص من فضلاتها.
6.2. نشر الوعي الثقافي والصحّي عن مضار التلوّث بشتى الوسائل وعن طريق وسائل الإعلام 7.2. إلزام الشركات والمصانع بسياسة معيّنة لبناء مؤسّساتها بطريقة للتقليل من التلوّث الذي يخرج منها.
8.2. جعل يوم كامل ينزل فيهِ طلبة المدارس والموظفين والمدراء، وكافّة أبناء الشعب للتنظيف ، وهو شيء قد يظنّ البعض أنّها غير مهمّه، ولكن لو نزل نصف الشّعب للتنظيف سيتغيّر البلد بكامله ويصبح أنظف .، فضلا عن تكوين أنماط سلوكية تدريبية لهذه الممارسة.
9.2.  بناء المصانع والمطارات والمفاعلات النووية والذريّه بعيدة عن المناطق السكنيّة .

سابعاً.التنمية المستدامة:
بما ان العالم ليس ملكا لنا وانما امانة في اعناقنا للاجيال القادمة ، وحتى نضمن مستقبلا مستداما لانفسنا وللاجيال القادمة ،فاننا نحتاج الى فهم الكيفية التي يعمل بها العالم وماذا نفعل لاجله وماذا سنفعل لحمايته وتحسينة . حيث ان فهم العلاقات والقوانين الطبيعية التي تحكم البيئة تساعدنا على التعامل مع البيئة ومشكلاتها قبل حدوثها .
التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون التفريط في تأمين حاجات أجيال المستقبل " ، أي أن المساواة والعدالة بين الأجيال هي واحدة من العوامل المطلوبة للتنمية المستدامة  . وقد تبنته الأمم المتحدة وأوصت المنظمات الحكومية وغير الحكومية وجميع الهيئات المهتمة بالتنمية باستخدام مفهوم التنمية المستدامة في كافة برامجها التي تهدف إلى مكافحة الفقر وتحسين مستوى المعيشة في جميع الدول المتقدمة والنامية .
يتطلب نجاح التنمية المستدامة بيئيا : حسن الإدارة البيئية للمشاريع الإنمائية بحيث يدمج محور الحفاظ على البيئة في هذه المشاريع وإجراء التقييم البيئي المستمر للمشاريع التنموية - ووجود قانون بيئي رادع - والعمل على إنشاء مؤسسات معنية بشؤون البيئة - ونشر الوعي البيئي والتربية والتدريب وضرورة إدماج مفهوم التثقيف البيئي ضمن المناهج الدراسية ويحتاج تحقيق هدف التنمية المستدامة إلى إحراز تقدم متزامن في أربعة أبعاد هي الأبعاد : الاقتصادية - البشرية - البيئية - التكنولوجية - وهناك ارتباط وثيق بين هذه الأبعاد المختلفة . والإجراءات التي تتخذ من إحداها من شأنها تعزيز الأهداف في بعضها الآخر .والاستدامة تتطلب تغييرا تكنولوجيا مستمرا في البلدان الصناعية للحد من انبعاث الغازات ومن استخدام الموارد من حيث الوحدة من الناتج والتحسين التكنولوجي أمر هام في التوفيق بين أهداف التنمية وقيود البيئة .‏
ثامناً. الأقتصاد الأخضر:
استحدث برنامج الأمم المتحدة للبيئة تعريفاً عملياً، عرف به الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يؤدِّي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي، مع العناية في الوقت نفسه بالحدّ على نحو ملحوظ من المخاطر البيئية. وأما على المستوى الميدانى، فيمكن تعريف الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يُوجَّه فيه النمو في الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث ومنع خسارة التنوّع الأحيائي وتدهور النظام الإيكولوجي. وهذه الاستثمارات هي أيضاً تكون موجّهة بدوافع تنامي الطلب في الأسواق على السلع والخدمات الخضراء، والابتكارات التكنولوجية، بواسطة تصحيح السياسات العامة الضريبية فيما يضمن أن تكون الأسعار انعكاساً ملائماً للتكاليف البيئية.
تاسعاً.إعادة الوفاق بين الإنسان والبيئة:

مر بنا أن الكائن البشري غير منفصل عن البيئة، فهو عنصر مميز من عناصرها، ومكون فريد من مكوناتها وعلى ضوء كل ذلك فإن علاقة الإنسان ببيئته الطبيعية لا تتحول لإقامة علاقة مسيطر (الإنسان) بمسيطَر عليه (بيئته الطبيعية)، أوعلاقة: "فاتح" بـ "راضخ " وذلك باعتمادها على مستوى من التطور العلمي والتقني كان قد تحقق على صعيد عالمي خلال تلك الفترة، ولا  إلى علاقة مالك بمملوك ، إنما علاقة أمين استؤمن عليها بكل ما يعنيه من وفاق وانسجام وتكامل معها، ومن خلال تفاعله مع البيئة سيواجه أحداثا مستمرة، لكل منها تغييرات يجب أن لا تتجاوز الحدود التي فرضتها السنن الطبيعية، والخصوصيات البيولوجية والعقلية الثابتة للفطرة البشرية، لأن هذا السبيل هو الكفيل وحده للاستمرار في التمتع بالخيرات الطبيعية عبر الزمان والمكان.
ويمكن القول بأن التوافق بين الإنسان والبيئة:هو تلك العملية الديناميكية التي يهدف بها الفرد إلى أن يغير سلوكه، فيُقيم علاقةً أكثر تآلفًا مع بيئته بأن يتكيَّف معها بالحفاظ عليها من التلوُّث وجعلها نظيفة، وبذلك تتحقق له حياة نفسية مُتوازنة.
إنَّ فوائد التعامل والتفاعل مع البيئة والإنسان عميقة التأثير والتأثر؛ فمثلاً التفاعل بين الإنسان والنبات علاقةٌ أعمقُ من مجرد جمال المظهر، فهي تساعد على جعل المدينة مكانًا أفضل للسكن. ولقد أثبتَت البحوث والدِّراسات أن انتشار الحدائق في المدينة، ونظافة الشوارع، وطلاء البيوت، وتحويل الخرابات إلى حدائقَ عامةٍ ، يربطُ الإنسان ببيئته؛ فالأزهار ينبوع الجمال، وتفيض إشراقًا؛ وبالتالي يزداد نقاء الوطن والحياة والبيت والولد.
وتبعاً لذلك فإن نقاء البيئة ينعكس إيجابيًّا على صحة المواطنين؛ إذ وجود مساحات خضراء مناسبة، وحدائق عامة منتشرة ، يساعد على تنقية الهواء مما ينعكس إيجابيًّا على صحة المواطنين، فيزيد الإنتاج، وتنخفض تكاليفُ العلاج (وَفْر اقتصادي ومجتمعي ناتج من نقاء البيئة).
وبالمقابل فإنَّ تلوث البيئة ينعكس سلبًا على صِحَّة المواطنين، فوجود المصانع ومخلَّفاتها قريبًا من المدينة (مثل: إنشاء مصنع لدبغ الجلود، أو معمل للسمنت ، أو معمل للزفت،.... ) يؤدي الى تلوث الهواء، وإنتشار الأمراض الصَّدرية، وإرتفاع تكاليف العلاج،.. ويُعد هذا هدرًا للموارد الاقتصادية (هدر اقتصادي ومجتمعي ناتج عن تلوث البيئة).
يمكن الإشارة من خلال ماسبق، إلى معطيات يمكن من خلالها إعادة الوفاق المفقود بين الإنسان والبيئة، منها:
1. إن السلوك الصحيح نحو البيئة يتطلب في البداية تشريع قوانين تضم الثواب والعقاب  وفترة انتقالية تعتمد على التوعية والتنبيه والتحذير والتأكيد على أن القصور أو التقصير في مجال السلوكيات البيئية سيؤخذ بكل جد وبلا تهاون, يليها مرحلة التطبيق الفعلي والفوري لمواد القانون دون تهاون ودون تمييز بين هذا أو ذاك, كون الجميع سواء أمام القانون, والحقيقة أن الإنسان الفرد إذا ما طبق عليه القانون, ودفع غرامة ما أو تعرض لعقوبة ما, سيكون مقتنعًا تمامًا بهذه العقوبة أو تلك  إذا شعر بأن الجميع سواء, وأن القانون لم يطبق عليه وحده, ويرتبط بهذا الأمر أن تخصص النسبة الأكبر من الموارد المحصلة نتيجة للمخالفات على البرامج التعليمية والتدريبية لدعم الوعي البيئي.
2. إن المسئولية المجتمعية أصبحت أمرًا حتميًّا في هذا المجال, ولا يمكن الادعاء بأن الدولة هي المسئولة عن هذا, أو أن وزارات  البيئة أوالتربية هي المسئولة عن هذا, أو أن المسئولية تقع على عاتق الأسرة أو المدرسة أو الجامعة أو أجهزة الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفاز ومسرح وسينما. إن الواقع يشير إلى أن الخطر داهم بالنسبة للجميع, وأن الجهود الجماعية لابد أن يكون أساسها المشاركة والعمل التعاوني المشترك.
3. إن الجهود الذاتية الأهلية في كل بلدان العالم تحمل جزءًا كبيرًا من هذه المسئولية, وتلك الجهود تعبر عن حس بيئي واجتماعي ووطني عالٍ, ومن هنا تأتي المشاركة الواعية.
4. إن مفهوم إدارة البيئة يعد من المفاهيم الحديثة نسبيًّا, وهو يعني ببساطة شديدة تحديد الإمكانيات والموارد في كل مكان, وكذا أشكال استثمارها, والسلوكيات المتوقعة ومظاهر السلوك الشاذ تجاهها, ووضع خطط ذات بدائل للتعامل مع هذه الموارد, ولعل هذا يشير إلى أن كل موقع من مواقع الإنتاج في حاجة إلى جهة أفضل استثمار لها, وفي الوقت نفسه تتم المحافظة على مواردها من أجل حياة أفضل لإنسان الحاضر والمستقبل.
5. إن المواطن لابد أن يكون قادرًا على الضبط الذاتي, والمقصود بذلك أن يتحكم المواطن في سلوكياته سواء كان فردًا يسير في الطريق العام أم مسئولاً عن مشروع ما أم صاحب شركة للإنتاج. إن الضبط الذاتي هو مواجهة للنفس ومكاشفة ومصارحة لها, أي أن الفرد يدرس الأمر مع نفسه أولاً قبل أن يتخذ قرارًا معينًا, ويشتمل ذلك بشكل أو آخر على النظر في شأن ما يترتب من أضرار على أي جهد أو أي نشاط إنساني, ومن ثم المساعدة في تخفيف حدتها على الأقل أو حماية البيئة كلية. إن جوهر الضبط الذاتي هو أن يتحكم الفرد في نفسه, فلا يسلك السلوك العفوي دون وعي وبلا دراسة, ولكن يسلك سلوكًا منضبطًا يعبر عن أعلى درجة من التحكم في الذات والتصرف بحكمة وتعقل.

6. إن اتخاذ القرار السليم في الوقت والمكان المناسبين يحمي البيئة والإنسان معًا من العديد من المخاطر، هناك علاقة وثيقة بين الضبط والتحكم الذاتي وعملية اتخاذ القرارات، أن عملية اتخاذ القرار تعد مهارة يستطيع البعض ممارستها, ولكن البعض الآخر لا يستطيع ممارستها, هو تولي البعض مواقع المسئولية في مجال البيئة وإدارتها, أو حتى في مجال آخر يحتاج إلى قدرة على اتخاذ القرارات لابد أن تكون لها من القوة والضوابط ما يكفل تنفيذها. والأمر المؤكد أن شئون البيئة والحفاظ على مواردها وعلاج مشكلاتها أمور تحتاج إلى جيل قادر على اتخاذ القرارات المناسبة سواء على المستوى الفردي أم على المستوى البيئي أم الاجتماعي.

7. المسئولية أن الفرد يشعر أن ما يحدث تجاه البيئة هو أمر يخصه, وينعكس على حياته وعلى أبنائه وأسرته وبيئته ومجتمعه الكبير, وأنه في محور هذا الموقف, وبالتالي لابد أن يشعر بالمسئولية وأن يتحرك بشكل إيجابي, وقد يكون هذا التحرك في شكل شكوى لأحد المسئولين أو مذكرة بأحد أقسام الشرطة, أو شكوى لوزارة البيئة أو أحدى الصحف أو أحد البرامج الإذاعية أو التلفزيونية. إن هذه القنوات جميعها يعد اللجوء إليها أمرًا مشروعًا؛ خاصة إذا كان الأمر يتعلق بحياة الإنسان.
8. إأن كل ما ذكر عن متطلبات إعادة الوفاق بين الإنسان والبيئة ينعكس بشكل مباشر على أساليب التربية والتعليم, والمهم هنا هو أن يترجم المربون هذا كله إلى خبرات, ليرى الأبناء ويفهموا ويناقشوا ويدربوا على اتخاذ القرارات وتحمل المسئولية وغيرها مما سبق. وعندئذ ربما تكون المؤسسات التربوية وكذلك كافة مؤسسات المجتمع قد وضعت أقدامها على بداية الطريقة لمصالحة ووفاق بين الإنسان والبيئة, من شأنها أن تعيد الثقة بين الطرفين وأن تزيد من قدرة البيئة على العطاء للإنسان في هذا الجيل والأجيال القادمة.

المصادر:
1.  الأحمدي، محمد بن عليثة،2006، دور علم النفس في تعديل الاتجاهات نحو البيئة، كلية التربية والعلوم الإنسانية ، جامعة طيبة بالمدينة المنورة،المملكة العربية السعودية، ورقة عمل مقدمة الى  المؤتمر الدولي الثالث لكلية العلوم الاجتماعية تحت عنوان "العلوم الاجتماعية والدراسات البينية من منظور تكاملي المنعقد في دولة الكويت 3-5/ 12/ 2006م، الكويت.
2.     أرناؤوط ، محمد السيد، ١٩٩٩  ، الانسان وتلوث البيئة ، الدار المصرية اللبنانية ،القاهرة.
3.  الحمد رشيد ، و صباريني، محمد سعيد ،  ،1984، البيئة ومشكلاتها،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،سلسلة كتب ثقافية شهرية العدد22، الكويت .
4.     جابر عبد الحميد جابر وآخرون ، 1991،علم النفس البيئي ، دار النهضة العربية،القاهرة ، مصر.
5.      زيمرمان، مايكل، 2006، ترجمة : معين شفيق رومية،الفلسفة البيئية – من حقوق الحيوان الى الإيكولوجيا الجذرية، سلسة عالم العرفة 332، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والعلوم،الكويت.
6.                السعود، راتب ،2004، الإنسان والبيئة ( دراسة في التربية البيئية) ، دار الحامد، عمان ، الأردن.
7.      الشراح، ﻴﻌﻘﻭﺏ ﺃﺤﻤﺩ ،2004 ،  ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻭﻤﺄﺯﻕ ﺍﻟﺠﻨﺱ ﺍﻟﺒﺸﺭﻱ، ﻋﺎﻟﻡ ﺍﻟﻔﻜﺭ، ﺍﻟﻤﺠﻠﺩ 32 ﺍﻟﻌﺩﺩ 3، ﺍﻟﻤﺠﻠﺱ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟﻔﻨﻭﻥ ﻭﺍﻵﺩﺍﺏ،ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻜﻭﻴﺕ.

8.                الصباريني، محمد سعيد ؛ مترجم ،2002، التميز في التربية البيئية ، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الكويت .
9.      الطحلا وى، محمد رجائي ، يحيى عبد الحميد إبراهيم،1992، نظرة عامة في عناصر البيئة ووسائل المحافظة عليها، مجلة أسيوط للدراسات البيئية، مركز الدراسات والبحوث البيئية،العدد الرابع، ١٩٩٢ م،اسيوط، مصر.
10.          عبدالمقصود، زين الدين، 1986 ، البيئة والإنسان : رؤية إسلامية، دار البحوث العلمية، الكويت.
11.    الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر ،2011، التربية السكانية : المفاهيم - الاهداف – المحتوى-منحى النظم- المنهجية- التقويم ، ط1،ط2 ،مكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ، الاردن.
12.   الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2014، النظم والمنظومية رؤى تربوية، دار الإعصار العلمي ومكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ، الاردن.
13.    الكبيسي، معاذ عبدالمجيد،2014 ، الهندسة البيئية رؤية تربوية، منشورات مديرية الإعداد والتدريب ،تربية الإنبار، الإنبار ، العراق.
14.     ﺍﻟﻠﻘﺎﻨﻲ، ﺃﺤﻤﺩ ﺤﺴﻴﻥ، ﻭﻤﺤﻤﺩ، ﻓﺎﺭﻋﺔ ﺤﺴﻥ، 1999 ،ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺤﺎﻀﺭ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻝ،ﻋﺎﻟﻡ ﺍﻟﻜﺘﺏ، ﺍﻟﻘﺎﻫﺭﺓ، مصر.
15.     النجيمي، محمد بن يحيى بن حسن،1979، البيئة والحفاظ عليها من منظور إسلامي، منشورات منظمة المؤتمر الإسلامي، الدورة 19إمارة الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، دبي.
16.     ليبت،جان مارري، 2015، ترجمة محمد عثمان ،عودة ا لوفاق بين الإنسان والطبيعة، سلسلة إصدارات عالم المعرفة، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والعلوم، الكويت .

17.UNESCO.1998, Environmental and Socitey: Education and  Public Awareness for Sustainability. Proceedings of The Thessaloniki International Conference. Paris: UNESCO.

18.Zimmerman,E.Michael,2001,Environmental Philosophy-From Animal Rights to Radical Ecology ,Prentice Hall,Upper Saddle River,New Jersey 07458, Third Edition 2001.


الحمد لله رب العالمين

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي
المديرية العامة لتربية الأنبار

الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية - بغداد